- إعلان -

مقال فلا نزل القطر – أحمد خالد توفيق

مقال فلا نزل القطر

- إعلان -

مقال فلا نزل القطر – أحمد خالد توفيق

مقال فلا نزل القطر – أحمد خالد توفيق – صديق لي حكى تلك القصة الطريفة في طفولته، كان في الثامنة من عمره وكان أخوه في العاشرة، لذا اعتبر الأخ ذو العاشرة نفسه محملاً بالمسؤوليات التربوية الثقيلة.

مقال فلا نزل القطر - أحمد خالد توفيق
مقال فلا نزل القطر – أحمد خالد توفيق

وفي ذات يوم أعلن الكبار أن جد الطفلين قد مات، وتسرب جو من التوتر والحزن. كان أول ما قام به الأخ الأكبر هو أن صعد إلى رف خزانة المطبخ فأخذ مرطبان السكر ووضعه في أعلى مكان ممكن حتى لا يتذوقه أخوه.. هذه أولى علامات الحداد.. لقد مات جدنا فلن يكون هناك سكر. البيت المحترم لا يموت فيه أحد فيسعد الأطفال بالتهام السكر بالملعقة. باختصار: لن تكون هناك سعادة.

«أنا حزين.. فليذهب العالم للجحيم ولتحترق القطط الصغيرة والورود ولتتفحم الفراشات التي تحلق حولها. «هذه سياسة أناس كثيرين لعل أولهم شاعرنا العظيم أبوفراس الحمداني عندما قال شطرة الشعر الشهيرة:

إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر..
هكذا هو يتمنى الجفاف للعالم لو شعر هو بظمأ قاتل.

عندما يموت أحد أفراد الأسرة، فإن مظاهر الحداد لابد أن تشمل غلق التلفزيون لفترات تتوقف على مدى حب الأسرة للفقيد.. هكذا قد يغلق التلفزيون لشهور أو لسنوات أو ربما للأبد. لا تسأل عن شعور الطفل الصغير الذي لا يعرف علاقة حرمانه من سبيس تونز بوفاة ابن عم خالة أمه.. لابد أن هذا يشعره بحقد شديد على الفقيد، فلو قابله لقتله مرة أخرى.

لي قريبة تشاجرت مع زوجها.. كان أول ما قامت به للتعبير عن ضيقها واكتئابها هو أن أخذت قطة ابنتها وأهدتها لصديقة لها.. الطفلة لا علاقة لها بالمشادة بتاتًا ولا تعرف معنى لفظة مشادة أصلاً، لكن الأم قررت أن وجود قطة في البيت تلعب وتلهو أمر يتناقض مع هيبة الغضب والاكتئاب..

- إعلان -

هذا يشبه ما حدث في بيت صديقي بعد وفاة حماته.. لقد قررت زوجته ألا تطبخ الفاصوليا أبداً بعد ذلك.. لا تسأل لماذا الفاصوليا.. لأنه يحبها جدًا طبعًا، وهكذا صار الرجل معذبًا يتسلل خارج البيت في بعض الليالي ليمضي أمسيات ماجنة مع أطباق الفاصوليا في مطعم قريب.. لكن زوجته صارمة.. لن ينعم أحد بالتهام الفاصوليا بينما أمي ليست على ظهر هذه الأرض… ولما مات عم الرجل قرر أن يعلن الحداد بطريقته فمنع دخول الجبن الأبيض إلى البيت. زوجته تحب الجبن الأبيض لكن عليها أن تتحمل.
يجب أن يعم الحزن والأسى ما دمت أنا حزينًا. في مراهقتي أحببت فتاة وتخلت عني. رحت أحلم لو أنني كنت جنرالاً ولدي جيوش عظيمة.. بالتأكيد كنت سأشن الحرب على الصين، فلا أتركها إلا خرابًا تنعق فيه البوم.. الجثث تتناثر والأطفال يبكون. لماذا الصين؟.. لا أعرف..

لو كنت أسيطر على الأجواء لألغيت وهج الشمس نهائيًا.. سوف تنهمر الأمطار الكثيفة على كل أنحاء الأرض باستثناء الصحراء الأفريقية طبعًا.. لابد أن تعاني هذه البلدان الجفاف .. سوف أجعل البرق ينهال على بيت حبيبتي بالذات إلى أن تتفحم خالتها..

سوف أقوم بإبادة كل حيوانات الباندا ودب الكوالا والنسر الأميركي الأصلع.. كل الأنواع المهددة بالانقراض سأجعلها تنقرض فعلاً. وسوف أصير وزيرًا للتعليم وأرغم طلبة المدارس على دراسة اللغة السنسكريتية أو الآرامية. سأجعل ميكانيكا الكم مقررة على طلبة المدرسة الابتدائية.. وأرغمهم على حفظ دليل الهاتف من أول صفحة حتى آخر صفحة..

أنا حزين.. فليحزن الجميع..
هنا تذكرت.. لو كانت لدي هذه القدرات العسكرية والتربوية والسيطرة على المناخ، فما كانت حبيبتي لتتخلى عني أصلا ً..

هكذا شعرت بحزن لأنني لا أملك هذه القدرات.. وكان التصرف الوحيد الذي قمت به هذه المرة هو أنني لم أطعم أسماك الزينة وجبة المساء.. ما دمت حزينًا فعلى هذه الأسماك البلهاء أن تقاسي الجوع قليلاً.

نُشر في: السبت 09 فبراير 2013.

المؤلف أحمد خالد توفيق
القسم مقالات

إبلاغ عن رابط لا يعمل

- إعلان -

اقرأ ايضاً
ناقش الكتاب/الرواية