- إعلان -

مقال أنتم الجدار المائل – أحمد خالد توفيق

مقال أنتم الجدار المائل

- إعلان -

مقال أنتم الجدار المائل – أحمد خالد توفيق – في بداية حياتي الطبية كنت أعمل في استقبال مستشفى (…..) بطنطا كطبيب امتياز. كان هناك حشد من الأدوية الناقصة التي يمكن أن تملأ مجلدات لو دونت أسماؤها. أما الاستقبال فكان غرفة رطبة ضيقة قذرة، وجوار الباب تجلس ممرضة جوار غلاية الحقن التي تعمل طيلة الوقت، وهي تعتقد واهمة أنها تتخلص من فيروس سي، الذي لم يكن العلم قد عرفه وقتها.

مقال أنتم الجدار المائل - احمد خالد توفيق
مقال أنتم الجدار المائل – احمد خالد توفيق

ولم يكن مع الممرضة سوى قرصين من الأسبيرين وقرصين من دواء المغص. وكان المرضى يصلون في حالات بعضها لا يستدعي الدخول.. أي هم محتاجون لعلاج حقيقي فعال، لكنهم أكثر صحة من دخول المستشفى، فكنا نكتب لهم العلاج الحقيقي والتحاليل الحقيقية في قصاصات ورق مع توصية بالتردد على العيادة بمجرد أن تبدأ العمل صباحًا.
 
كنا نحاول أن نقدم خدمة محترمة حسب الإمكانيات دون تمسك بحرفية القانون، وكانت النتيجة أن أحد المرضى خرج بالقصاصة إلى المحافظة وشكا أن الأطباء يكتبون أدوية من الخارج. وسرعان ما دارت عجلة كراهية الأطباء المستعدة دائمًا، وقيل إننا نرسل المرضى لصيدليات خاصة نتقاسم معها الأرباح.. إلخ… ثم صدر قرار مدير المستشفى بحظر كتابة أدوية من الخارج. فلم يعد لدينا سوى تقديم أقراص الأسبيرين وما تيسر من حقن بالاستقبال.. والغريب أن هذا لم يملأ قلب المرضى فرحًا كما توقع المدير. أنت تعطي مريض الربو حقنة من الأمينوفللين ثم تتركه لمصيره بدون موسعات شعب أو طوارد بلغم.. ولسوف يكتشف في عيادة الصدر أنه لن ينال غير هذا، ولو كتب له الطبيب طارد بلغم يشتريه فهو الخراب والهلاك.
 
عادت هذه القضية على السطح مع طبيب شاب من الزقازيق اسمه محمود ناصر، يعمل في مستشفى الجامعة. وكما تصف القديسة د.منى مينا ما حدث في مقال لها: “كطبيب مقيم حديث ليس له إلا أن يسير على نظام العمل بالقسم دون أدنى اعتراض.. القسم به منظار ركبة واحد صالح للعمل.. وقوائم انتظار المرضى طويلة.. لذلك تم التوافق في المستشفى الجامعي بشكل أو بآخر على أن يتم تأجير منظارين آخرين من شركة خاصة.. لتعمل 3 غرف عمليات على التوازي..
 
لم يتم التعاقد بشكل رسمي مع الشركة.. فالمستشفى الجامعي لا يستطيع دفع إيجار المنظارين.. وسارت الأمور بشكل غير رسمي.. المرضى يدفعون للشركة.. والأطباء يعملون.. والخدمة الطبية تقدم بعد أن تجهز المستلزمات بهذه الطرق المرتبكة والعرجاء.. ولكنها أحيانا كثيرة تكون – للأسف – الطريقة الوحيدة لتقديم الخدمة..
 
حتى “تيجي الطوبة في المعطوبة” ويعترض أحد المرضى عندما طلب منه دفع مقابل للمنظار المؤجر.. فلجأ ومعه كل الحق لإبلاغ جهة رقابية.. راقبت وسجلت.. لكنها لم تحاول أن تبحث لماذا لا توجد مناظير كافية في المستشفى الجامعي.. ولا كيف يمكن توفير ميزانية جيدة للمستشفى الجامعي لتأجير المناظير.. وتم إلقاء القبض على الطبيب وعرضه على النيابة وحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق بسبب  تأجير المناظير الخاصة للعمل في القسم!!!! الطبيب الشاب كبش الفداء..
 
هل كان يملك رفض العمل بهذه الطريقة “العرجاء”؟؟؟ هل كان يملك الاعتراض على ضعف الإمكانيات.. وضعف الميزانية الذي لم يمكن المستشفى من تأجير رسمي للمناظير؟؟؟ هل كان لا سمح الله يستطيع المطالبة بتحسين إمكانيات وميزانية المستشفى الجامعي؟؟ للأسف كان د.محمود ناصر في وضع لا يتيح له الاختيار.. أما نحن فنملك الاختيار.. نملك ألا نترك زميلنا يقدم كضحية لجريمة لم يرتكبها.. نملك أن نذهب للنيابة في الزقازيق ونقدم شهاداتنا عن العجز في العديد من أدوات ومستلزمات العمل الأساسية في مختلف الأقسام التي نطلب من المرضى شراءها من الخارج”.

- إعلان -

ما حدث فعلاً هو أن الأطباء قرروا أن يوفروا على المريض 15 ألف جنيه يدفعها في مستشفى خاص، فاقترحوا أن يقوم بتأجير منظار بـ500 من شركة خاصة. وكان معه قرار وزاري يسمح بـ300 جنيه، لذا ظل هناك 200 جنيه مشكلة. قام المريض بتسجيل هذه المحادثة واتهم الطبيب بطلب رشوة.. والنتيجة أن الطبيب ذهب للسجن.
 
كانت غضبة الأطباء عظيمة على الشبكات الاجتماعية، كما نرى هنا:
 
لم يتكلم أحد عن نقص إمكانيات مستشفى جامعي في مصر في الوقت الذي نشتري فيه حاملات طائرات ومفاعلات ذرية، لكن استفادت الحكومة جدا كالعادة من تأجيج خلاف الجبهة سهلة الاشتعال بين الأطباء والمرضى (أقاربهم على الأصح).
 
يقول د.أحمد حسين عضو مجلس نقابة الأطباء: “عندما ترتبط واقعة جديدة في نوعها أن من يساهم عمدا في تشويه الأطباء بشكل شخصي هو أحد أقارب المرضى وهو يعلم تماما أبعاد الموضوع، فهنا لا بد من وقفة نخشى معها ألا نستطيع كبشر أن نستمر في تحمل مسئوليتنا في الدفاع عن حقوق المريض أمام فشل الجهات التنفيذية في توفير احتياجاتهم، ولا نستطيع أن نطالب زملاءنا الأطباء للقيام بأكثر من دورهم المهني في حدود إمكانيات المستشفى التي يعملون بها أيا كانت كافية أم يشوبها العجز والنقصان، وليتحمل كل دوره في حدوده اختصاصاته المهنية والوظيفية… نخشى جميعا أن يتحول الفريق الطبي وفي القلب منه الأطباء إلى آلة بيروقراطية أو موظف طابع الدمغة بلغة الجهاز الإداري البيروقراطي”.
 
“أطالب جهات التحقيق بسماع شهادات إدارة جامعة الزقازيق والمستشفى الجامعي والفريق الطبي العامل به عن علمهم وتعودهم على هذا التوجيه الذي فعله الطبيب نتيجة عجز المستشفى عن دفع كامل تكاليف المستلزمات للشركات الموردة، فإني أيضا أطالب جهات التحقيق والجهات الرقابية أن تبحث عن المُتهم بل المُجرم الفعلي في حقيقة نقص أو غياب الأدوية والمستلزمات بالمستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية”.
 
كان هناك قرار شجاع من رئيس جامعة سوهاج يعترف فيه بشكل واضح بنقص الأدوية والمستلزمات، ويوجه الطبيب لنصح أهل المريض بشراء اللوازم من الخارج. هذه واقعية يحسد عليها. هذا يضع المريض في الصورة الكاملة، وليعلم أن المشكلة هي مشكلة الدولة واقتصاد يدار بحماقة، وليست مشكلة الجدار المائل الأبدي الجالس في استقبال المستشفى ينتظر المشاجرة التالية .. مقال أنتم الجدار المائل.

– 31 ديسمبر 2017 .

المؤلف أحمد خالد توفيق
القسم مقالات

إبلاغ عن رابط لا يعمل

- إعلان -

اقرأ ايضاً
ناقش الكتاب/الرواية